مقالات وأبحاثأمراض شائعة

متلازمة ستوكهولم ورهائن اسرائيل في غزة

ماهي متلازمة ستوكهولم؟ وكيف تحدث؟ وماعلاقتها بالأسيرات الإسرائيليات، اللواتي تم إطلاق سراحهن مؤخراً، من قبل مقاتلي كتائب القسام في غزة؟

التشافي بالغذاءالمحتوى القائم على الأدلة

الطريقة التي تعاملت معها كتائب القسام “الجناح العسكري لحركة حماس”، مع الرهائن الإسرائيلين، المحتجزين لديها منذ السابع من اكتوبر الماضي، الذي عرف بـ “طوفان الأقصى”، ولدت جدلاً واسعاً في كل أنحاء العالم.

لقد أصبحت تلك الطريقة، التي مثلت أسلوباً راقياً في صور التعامل الإنساني والأخلاقي، لكيفية التعامل مع الأسير، بمثابة ترند عالمي يومي، يشعل كل الفضاءات الاعلامية شرقاً وغرباً.

سواءً كان ذلك على أرض الواقع الحقيقي، أو في العالم الافتراضي، طوال الخمسين يوماً الماضية، هي مدة الحرب على غزة حتى اللحظة، وخصوصاً منها مواقع التواصل الاجتماعي.

تتناول هذه المقالة بشيء من التحليل، العلاقة بين هذه الطريقة في التعامل الإنساني مع الأسرى، وبين ما يعرف بـ متلازمة ستوكهولم..

تابع القراءة لمعرفة كل التفاصيل…

ماهي متلازمة ستوكهولم؟

متلازمة ستوكهولم، أو ما يسمى أيضاً بـ “ترابط الصدمة”، هي استجابة عاطفية، تحدث لبعض أو كل الرهائن، أو ضحايا الاعتقال أو المختطفين، عندما تتولد لديهم مشاعر إيجابية تجاه آسريهم أو خاطفيهم.

إنها ليست مرضاً أو تشخيصاً نفسياً لمرض، ولكنها طريقة لفهم الاستجابة العاطفية، بين الخاطف والمخطوف، أو بين الآسر والأسير.

في بعض الأحيان قد يكون لدى الأشخاص المحتجزين أو المعرضين للإساءة، مشاعر التعاطف أو مشاعر إيجابية تجاه الخاطف أو الآسر، ويبدو أن هذا يمكن أن يحدث على مدى أيام أو أسابيع أو أشهر، أو حتى سنوات من الأسر والاتصال الوثيق بين الآسر والمأسور.



من أين أتت هذه التسمية؟

بدأت هذه التسمية بالظهور والتشكل في عام 1973م،

ربما يكون الناس قد عانوا من هذه المتلازمة لفترة طويلة، ولكن بروزها وتسميتها لأول مرة كان في عام 1973م، من قبل نيلز بيجيروت، عالم الجريمة في مدينة ستوكهولم بالسويد، أثناء حادثة سطو فاشلة على أحد البنوك في نفس تلك المدينة.

لقد استخدم بيجيروت هذا المصطلح، لشرح رد الفعل غير المتوقع، الذي كان لدى الرهائن أثناء مداهمة أحد البنوك التي تعرضت للسرقة، وتعامل الخاطقين مع الرهائن.

لقد بدا بعد مرور اسبوع من هذه الحادثة، أن موظفي البنك المخطوفين، أصبحوا مرتبطون بشكل وثيق باللصوص ويثقون بهم، بعد قضاء تلك المدة معهم.

ومنذ ذلك الحين بدأ الباحثون في علم النفس، والمتخصصون في الجريمة يطلقون هذا الاسم، لوصف المواقف التي يشعر فيها الضحايا بالحماية من خاطفيهم، أو الذين أصبح لديهم مستوى معين من المودة، تجاه خاطفيهم أو آسريهم.

كلما استمر سلوك الخاطف أو الآسر مطمئناً، ومتسماً بالمشاعر الإنسانية تجاه المخطوف أو الأسير.

كلما زاد شعور الأسير بالأمان أكثر، حتى يتحول بمرور الوقت إلى ارتياح وشعور بالامتنان والإحسان.

كيف تحدث متلازمة ستوكهولم؟

يعتقد علماء النفس، الذين درسوا هذه المتلازمة، أن الرابطة العاطفية بين الآسر والأسير تبدأ بالتشكل رويداً، عندما يشعر الأسير بأن الأمور داخل مكان الأسر والاحتجاز، تسير بعكس الصورة الذهنية التي كان يتصورها.

عندما يتم اختطاف شخص ما، ويجد نفسه فجأة قد وقع في يد الخاطف أو في الأسر، تبدأ لديه مشاعر الخوف والتوتر والقلق، وربما الرعب أيضاً، مما قد يحدث له، خصوصاً إذا كانت طريقة الاختطاف تتسم بالعنف.

عندما لايجد الأسير أو المخطوف، أي عنف أو إساءة في طريقة اختطافه، ويبدأ أيضاً بسماع عبارات الطمأنة من الخاطف وتهدئة روعه، وبأنه لن يصاب بالأذى، تبدأ لديه مشاعر الإحساس بالأمان “ولو نسبياً” بالتشكل رويداً، حتى يصبح في حالة أمان تام من الخاطف بعد ذلك.

كلما استمر سلوك الخاطف أو الآسر مطمئناً، ومتسماً بالمشاعر الإنسانية تجاه المخطوف أو الأسير، كلما زاد شعور الأسير بالأمان أكثر، حتى يتحول ذلك الشعور بمرور الوقت إلى رضى وارتياح، بل وشعور بالامتنان والإحسان.

متلازمة ستوكهولم ورهائن اسرائيل في غزة

المرحلة الأولى: قصة الأسيرة المُسنة

منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، عندما بدأت المقاومة الفلسطينية، وتحديداً كتائب الشهيد عز الدين القسام، بالإفراج عن بعض الأسيرات المحتجزات لديها.

بدأت الأنظار تتجه إلى مايمكن أن تقوله تلك الأسيرات، من تفاصيل حول ظروف احتجازهن، وكانت هناك أسيرة إسرائيلية مُسنة، تم الإفراج عنها وابنتها، والتقت بوسائل الإعلام في إحدى المستشفيات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تحدثت هذه الأسيرة بشكل تلقائي حول الطريقة التي كان يتعامل بها أفراد المقاومة مع الرهائن، وقالت بأنها كانت معاملة حسنة، وبأنهم لم يتعرضوا لأي إساءة، وأحضروا لهم الطبيب والمأكل والمشرب.

بل وحتى أنها قالت بأنهم (أي أفراد القسام، الذين يفترض أنهم الخاطفين) كانوا يقومون بتنظيف المراحيض بأنفسهم، ويوفرون لهم كل المستلزمات التي يحتاجونها، حتى تلك التي تشكل خصوصية للمرأة.

رهينة اسرائيلة مسنة تم الإفراج عنها من قبل كتائب القسام مع الأيام الاولى لطوفان الأقصى
رهينة اسرائيلة مسنة تم الإفراج عنها من قبل كتائب القسام مع الأيام الاولى لطوفان الأقصى.

المرحلة الثانية: الأسيرات المفرج عنهن أثناء الهدنة

بعد أن كان الإعلام الإسرائيلي قد حاول تكذيب رواية تلك السيدة المسنة وابنتها في الأسبوع الأول من الحرب تقريباً، برزت صوراً أخرى أكثر تعبيراً وتعزز لهذا المشهد، وذلك بعد الاتفاق على هدنة لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد، وكذلك صفقة تبادل للأسرى بين الطرفين.

دون الخوض في التفاصيل التي يعلمها الجميع، يمكن تلخيص ذلك من خلال الصور التالية:

  1. صورة تظهر أحد عناصر كتائب القسام، وهو يلوح بيده مودعاً الأسيرة مايا، قائلاً باي مايا، فترد عليه بالقول، باي شكراً.

هذه الصورة من أكثر الصور التي انتشرت على نطاق واسع في مواقع السوشال ميديا، كما تصدر هاشتاج يحمل عنوان #باي مايا، الترند لعدة أيام متتالية.

يجدر بالذكر أن مايا، هي الأسيرة التي اصيبت بطلق ناري في أحد أقدامها، أثناء الاشتباك مع القوات الاسرائيلية في 7 أكتوبر الفائت، الذي أطلقت فيه كتائب القسام “طوفان الأقصى”.

ما تم نقلها إلى غزة مع باقي الرهائن، وتلقت العلاج هناك، وقد تم إطلاق سراحها ضمن الدفعة الثانية من صفقة الرهائن، بين حماس والكيان المحتل، يوم السبت الفائت، الموافق 25 نوفمبر 2023.

باي مايا- الأسيرة الاسرائيلية مايا أثناء توديعها لمقاتلي القسام
باي مايا- الأسيرة الاسرائيلية مايا أثناء توديعها لمقاتلي القسام عند تسليمها لفريق الصليب الأحمر في غزة.

2. صورة تظهر أحد مقاتلي كتائب القسام، مع طفل صغير أثناء تسليمه لفريق الصليب الأحمر في غزة.

أحد عناصر كتائب القسام يرافق طفلاً من الأسرى الاسرائيلين أثناء تسليم الدفعة الثانية من الأسرى
أحد عناصر كتائب القسام يرافق طفلاً من الأسرى الاسرائيلين أثناء تسليم الدفعة الثانية من الأسرى

3. صورة تظهر إحدى الأسيرات الإسرائيليات وهي تمسك بيد ابنتها، وتقف إلى جانب أحد مقاتلي القسام، وتبدو الابتسامة على وجهيهما، كما تبدو عليهما علامات الود والامتنان.

صورة لأسيرة اسرائيلية مع ابنتها إلى جانب أحد مقاتلي القسام. تظهر ابتسامتهما وامتنانهما.
صورة لأسيرة اسرائيلية وابنتها إلى جانب أحد مقاتلي القسام، وتظهر جلياً  ابتسامتهما وعلامات امتنانهما.

مودة وامتنان مقابل حسن معاملة وإحسان

من خلال إمعان وتدقيق النظر في جميع الصور السابقة، وغيرها من الصور الأخرى للرهائن الإسرائيلين، الذين تم الإفراج عنهم، نجد علامات المودة والامتنان، جلية وواضحة للعيان، من خلال لغة عيونهم ولغة أجسادهم، والابتسامات المرتسمة على محياهم.

كل هذه المشاهد تشير بوضوح، إلى أن جميع هؤلاء الأسرى والأسيرات، تنطبق عليهم بشكل كامل متلازمة ستوكهولم، بسبب ما لقو من معاملة حسنة، ورحمة وإنسانية، من قبل من يفترض أنهم خاطفيهم وآسريهم.

علماً بأن هذه المتلازمة لا يتم تشخيصها على أنها مرض نفسي أو حالة غير طبيعية، بل على العكس من ذلك هي حالة صحية وطبيعية، وتعكس هدوء واستقرار الشخص.

كيف يمكن أن يصبح الأسير مدافعاً عن الآسر؟

متلازمة ستوكهولم في حقيقة الأمر، لا تتميز فقط بحدوث رابطة إيجابية ومودة بين الأسير والآسر، ولكنها أكثر من ذلك، قد تصبح أحياناً علاقة وطيدة وقوية، تجعل المخطوف يقف في صف الخاطف، ويتضامن معه.

مع مرور الوقت، واستمرار الإحسان والسلوك الإنساني من قبل المخطوف، تتوطد العلاقة أكثر، إلى الحد الذي يجعل الأسير أو المخطوف يصغي لمشكلة الخاطف، ويحاول فهمها بعمق، ليصبح بعد ذلك مدافعاً عنها أمام السلطات مثلاً.

قد يزداد ذلك الدفاع ضراوة بشكل خاص، عندما لا تكون الرهينة ذات فائدة للخاطفين بذاتها، وإنما هي مجرد وسيلة للضغط على الطرف الآخر، الذي يمثل طرفاً ثالثاً في حقيقة الأمر.

تطابق تام

هذا الأمر ينطبق كلياً وبشكل تام، مع كل ماحدث وشاهدناه جميعاً بين الرهائن الإسرائيلين، وبين عناصر كتائب القسام “الجناح العسكري لحركة حماس”، من مودة وابتسامات وتلويح بالأيادي، وكلمات “باي باي” … الخ.

كما تجلى ذلك بالصور التي شاهدناها من خلال عائلات الأسرى والأسيرات، التي شكلت ضغطاً قوياً على حكومتها، وصل حد مطالبتها بإطلاق سراح السجناء للطرف الآخر، وهو الطرف الفلسطيني، لكونها أصبحت تدرك بأن مطالب الخاطفين، هي مطالب مشروعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى